دراسات

قبائل ليبيا والوحدة الوطنية

 

قامت عدة قبائل ليبية خلال الأشهر الأخيرة الماضية بمصالحات هامة فيما بينها وأنهت مشاكل استمرت لسنوات , و باعتبارها طرفاً محورياً ومهماً يستطيع التأثير علي موازين القوي ودعم أي من أطراف النزاع في ليبيا ، خاصة وأن تلك القبائل لعبت دورًا مهمًا في التفاعلات والتشابكات في المشهد الليبي عبر التاريخ , وينظر لهذه المصالحات بأنها خطوة نحو فرض التسوية والحفاظ على وحدة البلاد وأنهاء الإنقسام في المناطق الليبية وخاصة بين طرابلس وبنغازي

وشهدت ليبيا بعد الإطاحة بنظام “معمر القذافي”، انقسامات بين القبائل الليبية التي ظلت تتمتع لسنوات بالنفوذ في البلاد، ونتيجة لدخول تلك القبائل في صراعات الاصطفاف السياسي والإيديولوجي والمجتمعي والجغرافي في البلاد، بهدف مساندة القوي المتنازعة في ليبيا، لذا تراجع دور ونفوذ تلك القبائل في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، حيث تحاول هذه القبائل من خلال المصالحات تلافي تلك الانقسامات، ومحاولة كسب النفوذ مرة أخرى، ولعب أدور سياسية هامة من خلال المصالحات التي قد تعمل علي تهدئة الأزمة إلي حد ما.

وكانت السنوات الماضية قد شهدت وحالات عداء بين عدد من القبائل الليبية، إذ تسبب الصراع السياسي الليبي في حياد القبائل الليبية التي انقسمت علي نفسها في الغرب الليبي، حيث برز دور قبيلة “الورفلة” التي يتجاوز تعدادها أكثر من مليون شخص أي سدس عدد سكان البلاد، وكذلك قبيلة “ترهونة” التي تضم نحو 65 قبيلة فرعية، وقبيلة “مصراتة” التي تتمتع بقدرات عسكرية كبيرة، إذ تُقدر عناصرها المسلحة بحوالي 35 ألف مقاتل، وتلك القبائل تدعم معسكر “طرابلس”، وكذلك دور قبائل “برقة” في الشرق الليبي التي تقوم بدعم البرلمان والقيادة العامة للجيش، وتتنوع أيضاً قبائل في الجنوب يمتد ولاؤها ليس في ليبيا فقط بل وحتي لخارج البلاد، مثل قبائل الطوارق.

ونتج عن هذا الانقسام عدم الاعتماد علي القبائل في قيادة أو حل الأزمة الليبية، نظرًا لتدخل الأطراف المسببة للأزمة بين القوي الأجنبية والداخلية التي ترتبط بعلاقات أحداهما مسلحة علي الأرض وأخري سياسية تطمح في السلطة، وهو ما يجعل الأزمة الليبية أكثر تعقيدًا , و منذ سقوط نظام القذافي، والقبائل الليبية تحاول ملء الفراغ السياسي والأمني، وأصبحت مع مرور الوقت أداة للاعبين الجدد في السياسة الليبية

والقبائل الليبية سواء في الشرق أو الوسط أو الجنوب الليبي من الممكن أن تؤثر بالسلب أو الإيجاب علي الأزمة الليبية من خلال التنسيق مع القوي ذات النفوذ السياسي والعسكري الموالية لها , ولا شك في الدور التي تمارسه القبائل في ليبيا، فهي لها القدرة علي فرض قوتها ونفوذها لتجميع كل الليبيين ولعب دور كبير في المصالحة بين المدن والعائلات علي غرار الصلح بين عائلة “عون” وعائلة “الفقيه” من قبيلتي “فرجان” و“معدان”، وأيضاً الخلاف الذي نشب بين قبيلتي “بني وليد” و”مصراتة” والعداء التاريخي بينهما والذي عمل القذافي علي استمراره لسنوات، وكذلك الخلافات بين قبائل القذاذفة والمقارحة وغيرها من الانقسامات التي تضعف من قدرة القبائل علي إيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية، وهو ما تعيشه ليبيا الآن.

لذا لابد أولاً من تحقيق مصالحات وطنية بين القبائل الكبيرة.ومع ذلك تختلف الأقوال الحالية حول قدرة القبائل علي إيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية الحالية أو تحقيق الأمن والاستقرار، وتحديدًا بعد نجاح القوي السياسية الحالية في وضعها في الصراع السياسي و العسكري واستعمال القبائل في عمليات الضغط والابتزاز من أجل تحقيق مصالح في السلطة وكسب مزايا قبلية، مثل ملف الاغلاقات المتكررة لحقول النفط، إذ يشهد حالياً إنتاج ليبيا من النفط استقرارًا بعد سنوات من الإغلاق وعدم الاستقرار السياسي، بعد تجنب إغلاق الحقول حيث ساعد ذلك في زيادة إنتاج النفط نحو 1.2 مليون برميل يومياً منذ يناير 2022 وحتى الآن , ويؤكد ذلك علي أهمية دور القبائل الليبية في تسوية الأزمة السياسية في البلاد.

ومع استمرار المصالحات الشاملة بين جميع القبائل الليبية وعائلاتهم، ومع تغليب المصلحة العامة ومصلحة الوطن،بالإضافة إلي تجنب أغلب القبائل لعدد من الانقسامات والخلافات البينية من أجل دعم جهود الجيش الليبي في حل الأزمة، وظهر ذلك الدعم منذ إقرار البرلمان التركي الموافقة علي إرسال قوات إلي ليبيا، حيث قامت العديد من القبائل برفض تام لتلك التحركات، ومن بين تلك القبائل، العجيلات، والعواقير، وأولاد سليمان، ورشقانة، وترهونة، ومصراتة، وبني وليد، ورفلة، وغيرها من القبائل، ويثبت هذا الدعم حدود وطبيعة الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه القبائل في تعزيز الأمن والاستقرار في ليبيا، لذا من المؤكد أن تلعب القبائل دورًا مهمًا في تهدئة وتسوية الصراعات القبلية كمدخل لحل سياسي للأزمة الليبية لصالح الدولة الوطنية الليبية.

ويمكن القول إن هناك دور سياسي متزايد للقبيلة يتلاحظ في الفترة الأخيرة، قد يسهم في حلحلة الأزمة الليبية، من خلال استمرار عقد المصالحات بين القبائل الليبية. فالقبائل هي النواة والمكون الأساسي الذي يقوم عليه المجتمع الليبي، لذا من الضروري تشكيل مجلس وطني، يتشكل من القبائل والسياسيين أصحاب الخبرة السياسية في إدارة شؤون ليبيا يهدف إلى دعم الاستقرار في البلاد، ونتيجة للدور الفعال للقبيلة الليبية في تسكين الداخل، فإنه من المرجح أن تطون بمثابة رمانة الميزان في معادلة الانتخابات المقبلة، بإعتبارها المحرك الذي يتعين علي أي مرشح اللجوء إليه لطلب الدعم.

ولعبت النزعات القبلية والمناطقية ادوارا انقسامية عنيفة، في ظل غياب الوعي الوطني الصلب، ومقومات البناء الوطني المؤسسي. ويكاد فهم الحالة الليبية يصبح أمرا مستعصيا على محللي السياسات وواضعي الاستراتيجيات، بسبب نقص في أدوات التحليل العلمي. فهؤلاء كانوا وما زالوا يتعاملون مع أحداث ليبيا منذ 17 فبراير 2011، بمنطق الغنيمة، وفي سياق فقر في المعرفة بخصائص المجتمع والدولة والأرض , ومن خلال العودة إلى المحددات المؤثرة في بنية المجتمع الليبي اليوم، وهو يعيش حالة انهيار للدولة، وتوزع للسلطة، وتدخل اجنبي متعدد الوجود، من جهة ويشرف على حال خطيرة، تهدده بالانقسام والفوضى اللاّخلاقة من جهة ثانية، من خلال ذلك، يمكن استعراض لوحة تحليلية للخريطة الاجتماعية القبلية في ليبيا، بمختلف أبعادها الفاعلة في البلاد.

ويعتقد بعض الدارسين، وهو اعتقاد غير علمي، أن «ثورة القذافي» سنة 1969 هي التي ألغت الأحزاب والتنظيمات، وأحيت التحالفات القبلية، والحال أن ليبيا عرفت معاداة للأحزاب المدنية وتنظيماتها منذ فترة الملك إدريس السنوسي، أي منذ عام 1952، أي بعد الاستقلال بسنة واحدة، وحينما جاء القذافي بادر بإلغاء ما تبقى من الأحزاب السياسية، وقام باستبدالها بما يعرف بـ«مهرجانات الصوت» و«اللجان الثورية» و«المؤتمرات الشعبية» وهي تنظيمات حافظت على البنية القبلية ووظفتها لمصلحة النظام.

وإذا كان بعض الدارسين يعتبرون أن القبيلة بقيت كمظلة اجتماعية، فإنهم لا يستطيعون نفي حضورها الرمزي، من خلال التحالفات التي أقامها النظام بين أجنحته على أسس قبلية ومناطقية. كما أن التعامل الصريح والمباشر مع الزعامات التقليدية، متمثلة في شيوخ القبائل، خصوصاً خلال الأزمات الأمنية التي كان يتعرض لها النظام، كان أمراً لا يغيب عن أي متابع. إن الشعارات التي رفعها النظام «الجماهيري» لم تستطع إخفاء مرتكزات الدولة التقليدية، وأهمها الزعامات القبلية، والثقافة القبلية، التي تحولت إلى ثقافة مسيسة وموظفة لفائدة «القائد» وخياراته.

ومن خلال متابعة مرحلة امتدت على مدى أربعة عقود، يمكننا استخلاص الاستنتاجات التالية في مستوى علاقة الدولة والنظام بالمسألة القبلية في ليبيا :
– اعتماد النظام على بناء تحالفات مع القبائل الكبرى، وتوزيع الثروة والسلطة عليها. وهذا ما عرف بالمراهنة على البنية القبيلة، أكثر من المراهنة على البنية الوطنية، التي لم تتجاوز الأطر الشكلية.
– كان النظام يلجأ إلى القبيلة عندما يتعرض لبعض الأزمات ، وحينما يريد امتصاص التناقضات ، وخوض الصراعات، وضبط الأفراد (مثل توظيف القبيلة ضد الحركة الإسلامية المعارضة).
– يعرف عن المجتمع الليبي شدة ارتباط أفراده بمجموعاتهم القبلية، وولعهم بتراثها وتاريخها. وقد تم تفسير ذلك بالبحث عن الحماية مقابل عنف أجهزة الدولة وبطشها.

في كل المراحل الثلاث (المملكة ــ الجماهيرية ــ الثورة) حاول النظام السياسي استغلال حضور البنية القبلية في المجتمع، وتوظيفها لمصلحته واستثمارها. وقد عرفت مرحلة بدايات الثورة انعقاد اجتماع طرابلس الحاشد لممثلي القبائل المساندة للدولة والنظام، وسرعان ما ردت عليه مجموعات أخرى مساندة للثورة ، بسلسلة من الاجتماعات واللقاءات القبلية، صدرت عنها بيانات سياسية نشرتها بعض وسائل الاعلام , وبعيد الثورة ظهرت مطالب مناطقية، اتخذ أغلبها الهوية القبلية والاثنية غطاء لتلك المطالب الاقتصادية والثقافية.

وعرفت عملية سقوط النظام، وانحلال مؤسسات الجيش الوطني والأمن، ظهور الميليشيات المسلحة في المدن والقرى، والكثير منها كان يلبس جبة القبيلة. و كان أغلبها يتحرك في إطار قبلي عشائري. وقد ساهمت مأساوية الأحداث وردود الفعل المتسارعة، في انتشار ظاهرة الثأر السياسي والعنف العسكري الذي تحول إلى عملية شبيهة باستعادة للثأر القبلي القديم، بين بعض المناطق والمجموعات , كما تغلغلت المشاعر والسلوكيات القبلية لدى النخب السياسية، التي تطرح نفسها وتصوغ خطابها ضمن مشروع وطني، ولكنها تعتمد على توجهات ومحركات مناطقية وقبلية، تراوح بين الظهور والكمون في نوع من التكتيك والحركة.

فالمطلبية المناطقية التنموية والتمثيلية السياسية للمجموعات، كانت كثيرا ما تعتمد هذا التقسيم، الذي كثيرا ما يتشكل من تحالفات تقوم على علاقات النسب والجوار القبلي. وتظهر الخارطة الاجتماعية الوطنية أن الانتماء الاجتماعي يقوم مقام التوجه السياسي الوطني , كما أن ما يتوافر من امكانيات لتلك البدائل الوطنية لا يرتقي الى القدرة المادية والفكرية والمؤسساتية لفرض ارادة الوحدة الوطنية، وحماية الثروات، وتجسيد الارادات، ضد التشرذم والعنف والانقسام.

خريطة القبائل :

– قبائل عربية: (تمثل %90 من السكان)، تتوزع على الحدود المصرية، وعلى طول الساحل الليبي بمحاذاة شواطئ المتوسط، وصولا إلى الحدود التونسية، كما توجد هذه القبائل في المناطق الصحراوية في الجنوب.
– قبائل أمازيغية تتمركز بجبل نفوسة في الغرب وبعض المناطق الساحلية الغربية (تمثل %6 من السكان).
– قبائل التبو في أقصى الجنوب بمنطقة أوزو ومنطقة غدامس والقطرون في الجنوب والجنوب الشرقي بالكفرة، وأغلبها ذات أصول افريقية (تمثل %3).
– قبائل الطوارق (تمثل %1)، وتعيش في المناطق المتاخمة للحدود مع التشاد ومع النيجر والجزائر ومالي،

ويخوض العديد من هذه المجموعات القبلية صراعات الى جانب الجماعات المتطرفة ضد قبائل التبو المؤيدة للجيش الليبي.

ويقدر عدد القبائل في ليبيا بنحو 140 قبيلة، لكن عدد القبائل التي لها مكانة سكانية، لها تأثيرها ووزنها لا يتجاوز 30 قبيلة، وهي :
– قبائل الشرق : تتكون من العبيدات والدرسة وأولاد فايد وأولاد أحمد والبراعصة والمغاربة والعواقير والمجابرة والعريبات والخلالات والمسامير والعرفة والفرقة والجغبوب والفواخر.
– قبائل الوسط : تتكون من فرجان والمقارحة وأولاد سليمان والقذاذفة والجفرة.
– قبائل الغرب : هي ورفلة (53 فرعا) ومن بني وليد والمجابرة والزنتان ومسلاته والصيعان والحرابة وأولاد سالم والعمائم والعلاونة والأحامد وغريان وأولاد مرزوق والمحاميد والرجبان وورشفافة والسبعة وأولاد صولة وأولاد شبل وأولاد المرموري.
– قبائل الجنوب : الزوية والتبو والطوارق ومرزق والكفرة.
– قبائل المدن : ضعفت أسس الانتماء القبلي والعصبية القبلية فيها، لفائدة مكونات أخرى، ثقافية واثنية ومدنية وعائلية، مثل مدن غدامس ونالوت وطرابلس وبنغازي وبرقة وغيرها.

اظهر المزيد

مركز دراسات القبائل العربية

مركز دراسات متخصص بالقبائل والعشائر, يهدف لتجديد الهوية العربية الأصيلة وإعادة الإعتبار لثقافة وقيم القبيلة وترسيخ مكانتها الوطنية والتاريخية ودورها في دعم التنمية والأمن الاجتماعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى