مقالات

“الأعراب” ليسوا هم البدو

 

قال الله تعالى (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
“التوبة : 97”

646400009يقول بعض المفسرين : إن هذه الآيات نزلت في جماعة من المنافقين يبلغ عددهم ثمانين رجلاً , يتبعون قبائل أسد وغطفان وأعاريب يسكنون على أطراف المدينة المنورة ، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) لما رجع من غزوة تبوك أمر أن لا يجالسهم أحد ولا يكلمهم ، فلما رأى هؤلاء هذه المقاطعة الإِجتماعية الشديدة بدأوا يعتذرون عما بدر منهم ، فنزلت هذه الآيات لتبيّن حال هؤلاء وحقيقتهم

والسبب في ذلك لأنهم كانوا يفتعلون المؤامرات والمكائد ، ويتحججون بالأعذار الواهية والكاذبة عند خروج المسلمين للقتال ، ويعتبرون ما ينفقونه من الصدقات والزكاة مخسراً عظيماً ، بل اعتبرها بعضهم جزيةً وجبايةً

ولكن الأعراب ليسوا كلهم منافقين ؛ فقد أخبرنا الله تعالى , أنَّ منهم من استجاب وآمن حق الإيمان بالله تعالى وبرسوله وباليوم الآخر، ويتقربون إلى الله تعالى بالطاعات والصدقات ، ويحرصون على نيل رضوان الله تعالى وغفرانه , وذلك في قوله تعالَى : (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ۚ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ ۚ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). “التوبة : 99”

ولأنهم يصنفون بأنهم أهل بادية فقد وصم لاحقاً جميع البدو بهذه التسمية (أعراب) وهذا خطأ جسيم , وقد أخطأ عدد من المفسرين بهذا المعنى وعمموا تسمية الأعراب على كافة البدو وبالتالي لحقت بهم تهمة النفاق التي نزلت بها آيات القرآن الكريم , وأنساق جمهرة من شيوخ الدين والدعاة خلف هذا التعميم وأسهبوا في الحديث عن البدو “الأعراب” الذين يتسمون بالغلظة والصلف وأستخدموا هذه الصفات كدلائل مهيئة ومناسبة لهذا المنحى في بعدهم عن دين الله

من الناحية اللغوية , إذا بحثنا في اللغة العربية نجد متشابهات تحديداً في موضوع توصيف أو نسبة الأقوام , مثل ترك , أتراك , كرد , أكراد , عجم , أعاجم .. وهكذا , فالتسمية الأولى (ترك) تعني بأن المتحدث متأكد بأنهم من القومية التركية , أما (أتراك) فهم من المشكوك بهم أو من اتباع الترك والمنتسبين لهم والمحسوبين عليهم , وقد حكى القشيري “جمع العربي العرب ، وجمع الأعرابي أعراب وأعاريب . والأعرابي إذا قيل له يا عربي فرح ، والعربي إذا قيل له يا أعرابي غضب” لماذا فرح لأن المتكلم نقله من فئة مجهولي النسب إلى ذوي الأصول فمنحة هذه المرتبة , أما الثاني فغضب لأن وصفه بأعرابي يتضمن طعناً أو تشكيكاً في نسبه , يتساوا في ذلك أبناء البادية والحاضرة

عندما نقرأ في كتب التراث العربي , نجد على سبيل المثال عبارة “قدم رجل من بني سليم على الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه” , وربما في ذات الكتاب نقرأ عبارة “جاء أعرابي إلى أمير المؤمنين” , الأول معروف النسب وتم تعريفه به أما الثاني فنسبه ليس معروفاً وسمي بـ (أعرابي) , فالعربي هو من يُعرف نسبه والأعرابي مجهول النسب وقد يكون عربياً أو من الأقوام الذين ألتحقوا بهم , وفي وقتنا المعاصر نلاحظ ازدراء أبناء القبائل وأهل النسب لمن يجهل أصله وهذه سمة متوارثة عند العرب

اظهر المزيد

حسين الحاكم

كاتب وباحث في علم الاجتماع , المشرف العام على مركز دراسات القبائل العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى