للقبيلة دور مهم في استقرار اليمن
سيكون للحوكمة القبلية وحلّ النزاعات دورٌ في المساهمة في تخفيف حدّة التوتّرات وتقليص النزاعات , فقد اعتمد اليمنيون على الأعراف القبليّة المحليّة لتنظيم النزاع وتحقيق العدالة على مدى قرون إن لم يكن آلاف السنين. وعالج العرف القبلي بصورة فعّالة النزاعات بين القبائل المختلفة ، وبين القبائل وشركات الصناعات الاستخراجية، وبين القبائل والحكومة. وقد نجح العرف القبلي في الحيلولة دون اندلاع نزاعات وحل مشكلات كبيرة على الموارد وخدمات التنمية والأرض ، وتمكّن في بعض الأحيان من احتواء قضايا الثأر المعقّدة.
على الصعيد الوطني، لعب الوسطاء القبليّون دوراً هاماً في تشجيع الحوار السياسي وبناء الإجماع بين المجموعات السياسية , وسوف تلعب القوانين والأعراف القبلية دوراً هاماً في استعادة قدر من الاستقرار، لأن قدرة الحكومة على القيام بذللك محدودة للغاية. ويبدو هذا صحيحاً بشكل خاص نظراً إلى تزايد النزاعات وبروز الانقسامات الطائفيّة والسياسية في البلاد. إذ لايقتصر الأمر على كون الدولة ومؤسسات سيادة القانون ضعيفة وغير فعّالة خارج المدن الرئيسة وحسب ، ولكنها أيضاً لاتحظى بالثقة على نطاق واسع.
ولكن ثمّة حاجة ماسة إلى دمج آليات تسوية النزاعات القبليّة بالنظام الرسمي بحيث تعمل جنباً إلى جنب وتكمل دور المؤسّسات الرسمية. ويجب معالجة القضايا ذات الصلة بالضغوط التي تواجه العرف القبلي ضمن هذا الإطار , على طريق تعافي اليمن من الاضطرابات التي طال أمدها ، ومن حالة عدم الاستقرار التي عصفت بالبلاد على مدى سنوات وكذلك التدخلات الخارجية إذ أصبحت اليمن ساحة للصراعات الإقليمية والتدخلات الدولية
ويلاحظ أن دور القبيلة العسكري انخفض مع ثورة 2011 ، حين تخلى القبليون عن أسلحتهم وتعصبهم القبلي ، وانضموا لساحات التغيير كمدنيين. وأفضت التحولات السياسية إلى عقد “مؤتمر الحوار الوطني” الذي همّش دور القبيلة على نحو ما ، في حين تقلّص دور القبيلة السياسي بشكل غير مسبوق مع استيلاء الحوثيين على الدولة ومؤسساتها منذ العام 2014 ، إذ تلقت القبيلة ورموزها السياسية وقواها التقليدية أكبر صفعة في تاريخ اليمن المعاصر، ونعني بذلك الإطاحة بالقوى السياسية القبلية التقليدية على يد الحوثيين.
ومن الواضح أن هذا لا يعني تفكيك المنظومة القبلية العميقة ، كما لا يعني القضاء على المفاهيم والسلوكيات ومنظومة الأعراف القبلية , فهذه توفر نظاماً اجتماعياً خارج النظام الرسمي ، وتتصرف القبائل بوصفها أفضل البدائل في حال غياب مؤسسات الدولة أو ضعفها , والناس يرضون بالقبيلة لأنها توفر نموذجاً مبسطاً عن حكم القانون ، عن طريق تسوية النزاعات وتنظيمها , وكذلك قوة “الردع الاجتماعي” للمخالفين
وفيما يتعرّض العرف القبلي إلى ضغط متزايد ، فإن زعماء القبائل والمواطنين في المناطق القبلية في مأرب والجوف وشبوة والبيضاء ، على وجه الخصوص ، توّاقون لرؤية مؤسسات دولة شرعية وفعّالة في مناطقهم ، ولديهم الرغبة والاستعداد للمساهمة في تحقيق ذلك. وتُمثِّل هذه فرصة يحتاج واضعو السياسات والمجتمع الدولي إلى أخذها في الاعتبار عند التخطيط لبرامجهم ولعمليات التدخّل الهادفة إلى مساعدة اليمن في تجاوز الأزمة التي يعيشها
وقد نجحت القبائل في تقديم مستوى معقول من الأمن داخل مناطقها التي انسحبت منها القوات الحكومية ، وعلى طول الطرق الرئيسة التي تربط المحافظات القبليّة , ويعتقد معظم المراقبين الغربيين بأن القبائل والعرف القبلي شكّلوا عائقاً أمام بناء الدولة والتنمية في اليمن . وكان هناك زعماء قبليّون ممَّن قايضوا احتياجات مجتمعاتهم بالنفوذ السياسي وكانوا جزءاً من شبكة المحسوبية الفاسدة التي ضعضعت الدولة , ولكن بعد العمل المباشر مع زعماء القبائل والمجتمعات القبلية , وجدوا أن القبائل لعبت دوراً هاماً في الحفاظ على تماسك اليمن في مواجهة تزايد النزاعات السياسية والظروف الاقتصادية الصعبة.
فقد كانت القبيلة في اليمن دوماً المساند الأول للدولة وسد الفراغ الذي تشكله المؤسسات الرسمية ، ودائماً ما كان لها دورها المؤثر في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وتتموضع القبيلة “بوصفها وحدة اجتماعية تكتسب شرعيتها من مجموعة من القواعد التقليدية التي تشكل عقداً اجتماعياً بين أفرادها ، وكذلك بينها وبين مشايخها وسائر القبائل. وينظم هذا العقد الاجتماعي ، أو العرف القبلي الشؤون العامة ، ويحمي المصالح المشتركة ، ويقدم الحماية والدعم الاقتصادي لأفراد القبيلة”
وعلى الرغم من اعتبار القبيلة خزان النظام السياسي الحاكم من المقاتلين تاريخياً ، إلا أن القبائل لديها الفهم السياسي ومواقفها متحركة ، وهي مثلاً تخلت في وقت ما عن النظام السابق الذي شكله الإمام ، ولعبت دوراً محورياً في ثورة 1962 وفي الانتصار للنظام الجمهوري , وتتمتع الخارطة القبلية في اليمن بالمرونة إلى حد ما ، إذ تتغير التحالفات فيما بينها، فالبنية القبلية لم تتحدد فقط على أساس القرابة، بل أيضاً على أسس سياسية واقتصادية. والقبيلة اليمنية في ظل ضعف أو غياب الدولة ، كانت تضطلع بجميع الوظائف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي قصرت الدولة بالقيام بها